الجمعة، 13 سبتمبر 2019

واقعة الطف في الشعر العربي
**************************

لقد بعثت واقعة الطف في نفوس الأدباء روح الحماسة لما إعتقدوه من هضم حق أهل البيت (ع) وضياعه على يد الأعداء , فهامت نفوسهم وجرح الأسى أفئدتهم بجراح لا يصلحه ضماد وغمرتهم لواعج الأشجان فأبرزت مكنونات تلك المواهب فأعربوا عنها بلسان الموتور ..

وهناك قولٌ جميلٌ واقعيٌ للأديب المصري أحمد حسن الزيات (المتوفى سنة 1968) صاحب مجلة الرسالة قال : (( إن الشيعة إمتازت عن سائر الأمم بالأدب التمثيلي لتأثير واقعة الطف في قلوبهم وحرصهم على تصويرها )) وقد أصاب الهدف بقوله , ولكن لم تمتز بالأدب الـتمثيلي وحده وإنما إمتازت بجميع أنواع الأدب والآثار شاهدة على ذلك ..

- أنشد المرحوم السيد رضا الهندي فقال وأجاد :
أُسودٌ قد أتخذوا الصوارم حلية **** وتسربلوا حلق الدروع ثيابا
واتخذت عيونهم القساطل كحلها **** وأكفهم فيض النحور خضابا
يتمايلـون كأنـما غنـى لهم **** وقع الضبا وسقاهم أكوابـا
برقت سيوفهم فأمطرت الطلى **** بدمائها والنقـع ثار سحابـا
وكأنهم مستقبلـون كواعبـاً **** مستقبليـن أسنـة وكعابـا


وأظن لم يفتك أيها الحُسيني مافي قوله من إستعارة فنية وسبك جميل ((برقت سيوفهم فأمطرت الطلى)). 

- وإذا ما حاولت أن تثبّت لك صورة من أدب الرثاء في وصف عقائل النبوة وما أصابها من شدة العطش وفقدان الكفيل فإنما نثبت شظايا قلوب صورتها لنا تلك المأساة التي لم يمر على بشر مثلها في التاريخ كمنع الماء على رضيع وقتله , وعلى إمرأة وسبيها وإليك ما يقوله الشيخ عبد الحسين شكر في قصيدة طويلة نذكر منها :

أذيبـت برمضـاء الهجير قلوبـها **** فأسلبـن من آماقهن مذابها
وأرياقها تشكوا النضوب من الظما **** فتوردهـا شمس الهجير لعابها


كيف صور هذا الشاعر شدة عطش النساء وقسوة بني أمية تجاهها في منع الماء عنها وهم بالقرب منه حتى أوجب أن تعطف الشمس على هذه الحرائر فتسقيهن من لعابها لتخفف عنهن مضاضة العطش .. 

- وإليك ما قاله المرحوم العلامة السيد محمد حسين الكيشوان من قصيدة طويلة :
يوم به الأبطال تعثر بالقنا **** والموت منتصب بست جهاتها
برقت به بيض السيوف فأمطرت **** بدم الكماة يفيض من هاماتها
فكأن فيه العاديات جآذر **** تختال من فرح على تلعاتها
حتى إذا نفذ القضاء وأقبلت **** زمر العدى تستن في عدواتها
نشرت ذوائب عزها وتخايلت **** تطوي على مر الظما مهجاتها
وتفيئت ظل القنا فكأنما **** شجر الأراك تفيئت عذباتها
وتعانقت هي والسيوف وبعد ذا **** ملكت عناق الحور في جناتها


فهلّا تصورت أيها الحسيني هذه الأبيات وكيف صاغها ناظمها بإسلوب مزج الغزل بالرثاء بل قل مزج الفنون كلها .. ونسألكم الدعاء



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق